اقتنيتُ قبل عامين تقريبا من مطار جده وأنا في رحلتي إلى مدينة الدمام كتابا بعنوان : “وراء كل عبقري قصة معاناة ” وهو للمؤلفة البارعة سلمى مجدي , وقد أثارني عنوانه حقا , وكنت كل ما شعرت بالخواء فتحت صفحاته أتنقل بين حياة العباقرة والتي هي في الحقيقة حياة بعيدة عن حياة الركود والجمود , إن حياة العبقري لا تؤمن بالاستسلام مطلقا , إن الروح التي يتمتعون بها دائما ما تكون على استعداد دائما بل تكون مرنة إلى حد كبير , وقد أفاضت المؤلفة القديرة عن أهم النقاط التي كانت في حياة العباقرة وكأنها تأخذك إلى بؤرة الحماس وتزج بك , بل كأنها تأخذك إلى جذور العزيمة وتغذيك من كل صفحة تقرأها , وقد توقفتُ عند تلك الشخصية التي هزت دواخلي وأحدثت ضجة في تأملاتي كضجة ويكليكس , إنها عبقرية الأعمى “طــه حسين ” ذلك الذي قال عبارة روسو الشهيرة “أحسست قبل أن أفكر ” بطريقته حيث يقول “تألمت قبل أن أفكر ” ولقد أخذت هذه المقولة أقلبها في ذهني للحظات , هل الألم يصنع الفكر ؟ هل حينما نقع في غياهب الألم هل معنى ذلك أننا نفكر أم أن هناك خيوط دقيقة داخل إناء الروح تقودنا إلى ضوء الفكر ورؤية الأشياء من منظورأدق ؟
إنك حينما تتأمل حياة كحياة طــه حسين فإنك ستشكر الله كثيرا , إنك حينما تتأمل , فإنك تقف على مرحلة تاريخية مهمة من الحياة المصرية , لقد رفع ذلك الأعمى دعوة سماها ” مجانية التعليم حيث كان يقول :
“العلم كالماء والهواء حق لكل إنسان ” هل تعلم متى صدح بهذه المقولة ؟ في عام 1925 م تقريبا , إن فكرة مبكرة تقتدح في عقلية رجل أعمى خير دليل على عظمة ما يحمل في جعبته , ولا أريد التحدث عن الجانب المظلم الذي عاشه عبقري مصر , لأن ما يهمني أعمق من ذلك بكثير , وقد عشت منذُ أن قرأت عبارته الأخرى تلك التي قالها على غرار ديكارت “أنا أفكر إذن أنا موجود ” حيث قال ” أنا أتألم إذن أنا موجود ” .
لو أسقطنا التأمل فجأة على أي فترة من حياة طــه حسين لوجدناه في وسط محنته يعيش في أعلى قمته . هكذا هي حياة العبقري وهكذا هو في نضال دائم , فهل يا ترى حينما نتألم في حياتنا هل نسير إلى خطوة التفكير أم أننا نجثو داخل بوتقة المشكلة ..؟
أحمد الذبياني .
أحدث التعليقات